/ الفَائِدَةُ : (25) /

19/10/2025



بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين. / حاكميَّة إِمامة أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ شاملة لجملة البشر / إِنّ الثابت في بيانات الوحي : أَنَّ إِمامة أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ حاكمة ومُهيمنة على جملة البشر ؛ من بدء الخِلقة والوجود إِلى أَبد الآباد ودهر الدُّهور ، منهم سائر كُمَّل البشر ؛ فإِنَّ سائر جملة الأَنبياء والمرسلين والأَوصياء والأَصفياء عَلَيْهم السَّلاَمُ وإِن كانوا من كُمَّل المخلوقات لكنَّهم مع ذلك يحتاجون إِلى مخلوقات أَعلىٰ منهم رتبة ومقاماً وعلماً وشرفاً وفضلاً وكمالاً ، يُؤمُّونهم وينظِّمون ويُديرون أُمورهم ، وأَئمَّة أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ هم الَّذين متَّعتهم يد ساحة القدس الإِلٰهيَّة بخاصيَّة إِدارة أُمور وشؤون الكُمَّل من موقع تكويني إِلٰهيّ أَرفع وأَعلىٰ . فلاحظ : بيانات الوحي ، منها : أَوَّلاً : بيان الحديث القدسي ، عن عدَّة من أَصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ ، منهم جابر بن عبدالله الأَنصاري ، قال : « ... ثُمَّ نظر آدم عَلَيْهِ السَّلاَمُ إِلى نور قد لمع فسدَّ الجو المُنخرق ، فأَخذ بالمطالع من المشارق ، ثُمَّ سرىٰ كذلك حتَّىٰ طبق المغارب ؛ ثُمَّ سما حتَّىٰ بلغ ملكوت السَّماء ، فنظر فإذا هو نور مُحمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ ، وإذا الاكناف به قد تضوَّعت طيباً ، وإِذا أَنوار أَربعة قد اكتنفته عن يمينه وشماله ومن خلفه وأمامه ، أشبه شيء به أَرجاً ونوراً ، ويتلوها أَنوار من بعدها تستمد منها ... فبهر آدم صلَّىٰ اللّٰـه عليه ما رأىٰ من ذلك ، وقال : يا عَالِم الغيوب ... مَنْ هذا الخلق السعيد الَّذي كرَّمت ورفعت على العالمين ؟! ومَنْ هذه الأَنوار المكتنفة له ؟! فأَوحىٰ اللَّـه عزَّ وجل إِليه : يا آدم ، هذا وهؤلاء وسيلتكَ ووسيلة من أسعدتُ من خلقي ، هؤلاء السَّابقون المُقرَّبون والشَّافعون المُشَفَّعون ، وهذا أَحمد سيِّدهم وسيِّد بريَّتي ... » (1). ودلالته واضحة. / الأَدب الإِلهي كاشف عن صلاحيات ومواقع إِلهيَّة/ بعد الْاِلْتِفَات إِلى أَمر استقرَّت عليه كلمة مُحقِّقي المُتكلِّمين والمُفسِّرين وغيرهم من بُحَّاث المعارف يَجْدُرُ الْاِلْتِفَات إِليه ، حاصله : أَنَّ الأَدب الإِلٰهي من اللَّـه (عزَّوجلَّ) مع أَصفيائه ، أَو من الأَصفياء معه تعالىٰ ، أَو بين الأَصفياء يرجع في حقيقته إِلى أَنَّ مَنْ حُبي بهذا الأَدب يتمتَّع بمقامات دينيَّة ، وصلاحيَّات شرعيَّة ، ومواقع عقائديَّة. مثاله : ما حصل من النَّبيّ موسىٰ إِتجاه الخضر عَلَيْهما السَّلاَمُ ، في الحوارية الَّتي جرت بينهما ، وحكتها بيانات سورة الكهف(2) : فإِنَّه حينما يصف نفسه بـ : (التابع في بيان قوله جلَّ جلاله ـ المُقتصّ لخبرهما ـ : [قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا](3)، ليست قضيَّة مجاملات أَو تعارفات أَو مدائح ، وإِنَّما حقيقة كاشفة عن مقامات وشؤون وهِبَات إِلٰهيَّة يتمتَّع بها الخضر دون النَّبيّ موسى عَلَيْهِ السَّلاَمُ ، ومعناه : أَنَّ للخضر موقعيَّة إِلٰهيَّة غيبيَّة ، لا يتمتَّع بها النَّبيّ موسىٰ عَلَيْهِ السَّلاَمُ ؛ وإِنْ كان له عَلَيْهِ السَّلاَمُ (4) من جهةٍ أُخرىٰ فضلاً وكمالاً وموقعيَّة إِلٰهيَّة غيبيَّة ؛ لا يتمتَّع بها الخضر عَلَيْهِ السَّلاَمُ ، امتاز وتقدَّم بها عليه . وعلى هذا قس : ما فعله الخضر عَلَيْهِ السَّلاَمُ ؛ فإِنَّه لم يقل للنَّبيّ موسىٰ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : (اتبعني) ، وإِنَّما قال : [ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي](5) فإِنَّه لو كانت له ولاية تفوق ولاية النَّبيّ موسىٰ عَلَيْهِ السَّلاَمُ من جميع الجهات لكان المناسب له أَن يَبُتَّ بالقضيَّة ، ولا يجعل الخيار بيد النَّبيّ موسىٰ عَلَيْهِ السَّلاَمُ . ومعناه : أَنَّ بينهما عَلَيْهما السَّلاَمُ مشاركة ولائيَّة إِلٰهيَّة وتوزيع أَدوار إِلٰهيَّة. إِذَنْ : في عَالَم الأَصفياء نظم ولائي غيبيّ إِلٰهي ، دقيق ورشيق جِدّاً ، وصفاء عجيب في دقَّة الحقائق والمواقع والمأموريَّات والمناصب والمواقع والمقامات الإِلٰهيَّة بشكل بديع ؛ لا يزيد فيها مخلوق على حَدِّه وقدره المتمتَّع به من يد السَّاحة الإِلٰهيَّة. وبالجملة : الأَدب الإِلٰهيّ ـ من اللَّـه عزَّوجلَّ إِتِّجَاه الأَصفياء ، أَو من الأَصفياء إِتِّـجَاهه (تقدَّس اسمه) ، أَو بين الأَصفياء المُصطفين بالإِصطفاء الإِلٰهي ـ يُحدِّد مواقع الأَصفياء الرسميَّة الإِلٰهيَّة ودرجات الولاية الإِلٰهيَّة. ثُمَّ إِنَّ ما ورد في كثير من بيانات الوحي ، منها : بيان قوله تقدَّست أَسماؤه : [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ](6). براهين وحيانيَّة دالَّة على أَنَّ التَّأَدُّب مع سَيِّد الْأَنْبِيَاء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ ليس من فروع الدِّين ، بل من أُصوله ، وإِلَّا كيف تحبط الفروع مطلق أَعمال المُكلَّف منها : الأُصول والإِيمان ، فكيف يحبط سوء أَدب فرعي مع سَيِّد الْأَنْبِيَاء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ الإِيمان باللَّـه تعالىٰ. ثانياً : بيان أَمِير الْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ : « ... الإِمام ... يختاره اللَّـه ويجعل فيه ما يشاء ويوجب له بذلك الطاعة والولاية على جميع خلقه ... وأَخذ له بذلك العهد على جميع عباده ، فمَنْ تقدَّم عليه كفر باللَّـه من فوق عرشه ... فالعزة للنَّبيّ وللعترة ... فهم رأس دائرة الإِيمان وقطب الوجود ، وسماء الجود ، وشرف الموجود ... فالإِمام ... مهيمن اللَّـه على الخلائق ، وأَمينه على الحقائق، وحُجَّة اللَّـه على عباده ... هذا كلّه لآل مُحمَّد ، لا يُشاركهم فيه مُشارك... خلقهم اللَّـه من نور عظمته ، وولَّاهم أمر مملكته ... علم الأَنبياء في علمهم ، وسِرّ الأَوصياء في سرِّهم ، وعزّ الأَولياء في عزِّهم كالقطرة في البحر ، والذَّرَّة في القفر... ومن أَنكر ذلك فهو شقيٌّ ملعون يلعنه اللَّـه ويلعنه اللاعنون... فهم مبدء الوجود وغايته ، وقدرة الرَّبّ ومشيئته ... وحُجَج اللَّـه على الأَوَّلين والآخرين ... وان اللَّـه لم يخلق أحداً إِلَّا وأَخذ عليه الإِقرار بالوحدانيَّة والولاية للذريَّة الزَّكيَّة ، والبراءة من أعدائهم ... »(7). ثالثاً : بيان الإِمام الباقر صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ : «... لا يقوم الأَنبياء والرُّسل والمُحدَّثون إِلَّا أَنْ يكون عليهم حُجَّة ... »(8). ودلالته ـ كدلالة سابقه ـ واضحة. رابعاً : بيانه صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ أَيضاً : « إِنَّ اللَّـه تبارك وتعالىٰ حيث خلق الخلق ... قال: أَلَستُ بربِّكم؟ قالوا : بلىٰ شهدنا أَنْ تقولوا يوم القيامة إِنّا كُنَّا عن هذا غافلين ، ثُمَّ أخذ الميثاق على النَّبيِّين ، فقال : أَلَسْتُ بربِّكم ، وأَنَّ هذا مُحمَّد رسولي ، وأَنَّ هذا عَلِيٌّ أَمير المؤمنين؟ قالوا : بلىٰ ، فثبتت لهم النُّبوَّة ، وأَخذ الميثاق على أُولي العزم ، أَنَّني ربّكم ، ومحمَّد رسولي ، وعَلِيّ أَمِير الْمُؤْمِنِينَ ، وأوصياؤه من بعده ولاة أَمري ، وخزَّان علمي ، وأَنَّ المهدي أنتصر به لديني، واظهر به دولتي ، وأنتقم به من أعدائي ، وأُعبد به طوعاً وكرها ، قالوا : أقررنا يا ربّ ، وشهدنا...» (9). ودلالته واضحة ؛ فإِنَّ نفس طلب الإِقرار بهذه الثلاثة دليل على أَنَّهم محكومين بها شاءوا أَم أَبوا. ويضاف إِليه : أَنَّ أَمِير الْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ لَـمَّا مُتِّع بهذا المقام والمنحة والهبة الإِلٰهيَّة في بدء الخلقة ؛ كانت مُفَعَّلة في حقِّه في تلك العوالم ، وحيث إِنَّ الأَنبياء والرُّسل والأَوصياء والأَصفياء عَلَيْهم السَّلاَمُ قمَّة هرم المخلوقات المؤمنة ، وأَجلىٰ مصاديقها كان أَمير المؤمنين وسائر أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أُمرائهم وأَئمَّتهم. وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ الأَطْهَارِ . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) بحار الأَنوار ، 26 : 310 ـ 315/ح77. تفضيل الأَئمَّة : (مخطوط). (2) سورة الكهف : 65 ـ 82. (3) الكهف : 66. (4) مرجع الضمير : (النَّبيّ موسىٰ عَلَيْهِ السَّلاَمُ). (5) الكهف : 70. (6) الحجرات : 2. (7) بحار الأَنوار ، 25 : 169 ـ 174/ح38. (8) المصدر نفسه : 73/ح63. كنز الفوائد : 395 ـ 398. (9) بحار الأَنوار ، 64 : 114/ح23. الكافي ، 2 : 8